فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما قوله: {وكذلك سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} فالمعنى فعلت ما دعتني إليه نفسي وسولت مأخوذ من السؤال فالمعنى لم يدعني إلى ما فعلته أحد غيري بل اتبعت هواي فيه، ثم إن موسى عليه السلام لما سمع ذلك من السامري أجابه بأن بين حاله في الدنيا والآخرة وبين حال إلهه أما حاله في الدنيا فقوله: {فاذهب فَإِنَّ لَكَ في الحياة أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ} وفيه وجوه: أحدها: أن المراد: أني لا أمس ولا أمس قالوا: وإذا مسه أحد حم الماس والمسوس فكان إذا أراد أحد أن يمسه صاح خوفًا من الحمى وقال لا مساس.
وثانيها: أن المراد بقوله: {لاَ مِسَاسَ} المنع من أن يخالط أحدًا أو يخالطه أحد وقال مقاتل: إن موسى عليه السلام أخرجه من محلة بني إسرائيل وقال له: اخرج أنت وأهلك فخرج طريدًا إلى البراري، اعترض الواحدي عليه فقال الرجل: إذا صار مهجورًا فلا يقول هو لا مساس وإنما يقال له ذلك، وهذا الاعتراض ضعيف لأن الرجل إذا بقي طريدًا فريدًا فإذا قيل له: كيف حالك فله أن يقول لا مساس أي لا يماسني أحد ولا أماس أحدًا، والمعنى إني أجعلك يا سامري في المطرودية بحيث لو أردت أن تخبر غيرك عن حالك لم تقل إلا أنه لا مساس وهذا الوجه أحسن وأقرب إلى نظم الكلام من الأول.
وثالثها: ما ذكره أبو مسلم وهو أنه يجوز في حمله ما أريد مسي النساء فيكون من تعذيب الله إياه انقطاع نسله فلا يكون له ولد يؤنسه فيخليه الله تعالى من زينتي الدنيا اللتين ذكرهما بقوله: {المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا} [الكهف: 46] وقرئ لا مساس بوزن فجاز وهو إسم علم للمرة الواحدة من المس، وأما شرح حاله في الآخرة فهو قوله: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ} والموعد بمعنى الوعد أي هذه عقوبتك في الدنيا ثم لك الوعد بالمصير إلى عذاب الآخرة فأنت ممن خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، قرأ أهل المدينة والكوفة: لن تخلفه بفتح اللام أي لن تخلف ذلك الوعد أي سيأتيك به الله ولن يتأخر عنك وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن بكسر اللام أي تجيء إليه ولن تغيب عنه ولن تتخلف عنه وفتح اللام اختيار أبي عبيد كأنه قال: موعدًا حقًا لا خلف فيه وعن ابن مسعود: لن نخلفه بالنون فكأنه عليه السلام حكى قول الله تعالى بلفظه كما مر بيانه في قوله: {لأَهَبَ لَكِ} [مريم: 19] وأما شرح حال إلهه فهو قوله: {وانظر إلى إلهك الذى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} قال المفضل في ظلت: إنه يقرأ بفتح الظاء وكسرها وكذلك:
{فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 65] وأصله ظللت فحذفت اللام الأولى وذلك إنما يكون إذا كانت اللام الثانية ساكنة تستحب العرب طرح الأولى ومن كسر الظاء نقل كسرة اللام الساقطة إليها ومن فتحها ترك الظاء على حالها وكذلك يفعلون في المضاعف يقولون: مسته ومسسته ثم قال: {لَّنُحَرّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ في اليم نَسْفًا} وفي قوله: {لَّنُحَرّقَنَّهُ} وجهان.
أحدهما: المراد إحراقه بالنار وهذا أحد ما يدل على أنه صار لحمًا ودمًا، لأن الذهب لا يمكن إحراقه بالنار، وقال السدي: أمر موسى عليه السلام بذبح العجل فذبح فسال منه الدم ثم أحرق ثم نسف رماده وفي حرف ابن مسعود لنذبحنه ولنحرقنه وثانيهما لنحرقنه أي لنبردنه بالمبرد، يقال: حرقه يحرقه إذا برده وهذه القراءة تدل على أنه لم ينقلب لحمًا ولا دمًا فإن ذلك لا يصح أن يبرد بالمبرد، ويمكن أن يقال: إنه صار لحمًا فذبح ثم بردت عظامه بالمبرد حتى صارت بحيث يمكن نسفها، قراءة العامة بضم النون وتشديد الراء ومعناه لنحرقنه بالنار، وقرأ أبو جعفر وابن محيصن لنحرقنه بفتح النون وضم الراء خفيفة يعني لنبردنه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {قَالَ يَا هارُونَ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ} يعني بعبادة العجل.
{أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} فيه وجهان:
أحدهما: ألا تتبعني في الخروج ولا تقم مع من ضل.
الثاني: ألا تتبع عادتي في منعهم والإِنكار عليهم، قاله مقاتل.
{أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} وقال موسى لأخيه هارون: أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فلمّا أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإِنكار عليهم نسبه إلى العصيان ومخالفة أمره.
{قَالَ يَا بْنَ أُمَّ} فيه قولان:
أحدهما: لأنه كان أخاه لأبيه وأمه.
الثاني: أنه كان أخاه لأبيه دون أمه، وإنما قال يا ابن أم ترفيقًا له واستعطافًا.
{لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} فيه قولان:
أحدهما: أنه أخذ شعره بيمينه، ولحيته بيسراه، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه أخذ بأذنه ولحيته، فعبر عن الأذن بالرأس، وهو قول من جعل الأذن من الرأس.
واختلف في سبب أخذه بلحيته ورأسه على ثلاثة أقوال:
أحدها: ليسر إليه نزول الألواح عليه، لأنها نزلت عليه في هذه المناجاة. وأراد أن يخفيها عن بني إسرائيل قبل التوبة، فقال له هارون: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ليشتبه سراره على بني إسرائيل.
الثاني: فعل ذلك لأنه وقع في نفسه أن هارون مائل إلى بني إسرئيل فيما فعلوه من أمر العجل، ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء.
الثالث: وهو الأشبه- أنه فعل ذلك لإِمساكه عن الإِنكار على بني إسرئيل الذين عبدوا العجل ومقامه بينهم على معاصيهم.
{إِنِّي خَشيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرآئِيلَ} وهذا جواب هارون عن قوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} وفيه وجهان:
أحدهما: فرقت بينهم بما وقع من اختلاف معتقدهم.
الثاني: فرقت بينهم بقتال مَنْ عَبَدَ العجل منهم.
وقيل: إنهم عبدوه جميعًا إلا اثني عشر ألفًا بقوا مع هارون لم يعبدوه.
{وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} فيه وجهان:
أحدهما: لم تعمل بوصيتي، قاله مقاتل.
الثاني: لم تنتظر عهدي، قاله أبو عبيدة.
قوله عز وجل: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}.
الخطب ما يحدث من الأمور الجليلة التي يخاطب عليها، قال الشاعر:
آذنت جارتي بوشك رحيل ** بكرا جاهرت بخطب جليل

وفي السامري قولان:
أحدهما أنه كان رجلًا من أهل كرمان، تبع موسى من بني إسرائيل، قاله الطبري، وكان اسمه موسى بن ظفر.
أحدهما: أنه كان رجلًا من أهل كرمان، تبع موسى من بني إسرئيل، قاله الطبري، وكان اسمه موسى بن ظفر. وفي تسميته بالسامري قولان:
أحدهما: أنه كان من قبيلة يقال لها سامرة، قاله قتادة.
الثاني: لأنه كان من قرية تسمى سامرة.
{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: نظرت ما لم ينظروه، قاله أبو عبيدة.
الثاني: بما لم يفطنواْ له، قاله مقاتل.
وفي بصرت وأبصرت وجهان:
أحدهما: أنَّ معناهما واحد.
الثاني: أن معناها مختلف، بأبصرت بمعنى نظرت، وبَصُرت بمعنى فطنت.
{فَقَبَضْتُ قَبْضَةً} قرأه الجماعة بالضاد المعجمة، وقرأ الحسن بصاد غير معجمة، والفرق بينهما أن القبضة بالضاد المعجمة، بجميع الكف، وبصاد غير معجمة: بأطراف الأصابع {مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} فيه قولان:
أحدهما: أن الرسول جبريل.
وفي معرفته قولان:
أحدهما: لأنه رآه يوم فلق البحر فعرفه.
الثاني: أن حين ولدته أمه جعلته في غار حذرًا عليه من فرعون حين كان يقتل بني إسرائيل وكان جبريل يغذوه صغيرًا لأجل البلوى، فعرفه حين كبر، فأخذ قبضة تراب من حافر فرسه وشدها في ثوبه {فَنَبَذْتُهَا} يعني فألقيتها، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه ألقاها فيما سبكه من الحلي بصياغة العجل حتى خار بعد صياغته.
الثاني: أنه ألقاها في جوف العجل بعد صياغته حتى ظهر خواره، فهذا تفسيره على قول من جعل الرسول جبريل.
والقول الثاني: أن الرسول موسى، وأن أثره شريعته التي شرعها وسنته التي سنها، وأن قوله: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَأ} أي طرحت شريعة موسى ونبذت سنته، ثم اتخذت العجل جسدًا له خوار.
{وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} فيه وجهان:
أحدهما: حدثتني نفسي. قاله ابن زيد.
الثاني: زينت لي نفسي، قاله الأخفش.
قوله عز وجل: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ} فيه قولان:
أحدهما: أن قوله: {فَاذْهَبْ} وعيد من موسى، ولذا فإن السامري خاف فهرب فجعل يهيم في البرية مع الوحوش والسباع، لا يجد أحدًا من الناس يمسه، حتى صار كالقائل لا مساس، لبعده عن الناس وبعد الناس منه. قالت الشاعرة:
حمال رايات بها قنعاسا ** حتى يقول الأزد لا مساسا

القول الثاني: أن هذا القول من موسى كان تحريمًا للسامري، وأن موسى أمر بني إسرائيل ألا يؤاكلوه ولا يخالطوه، فكان لا يَمَسُّ وَلاَ يُمَسُّ، قال الشاعر:
تميم كرهط السامري وقوله ** ألا لا يريد السامري مساسا

أي لا يُخَالِطُونَ وَلاَ يُخَالَطُون.
{وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: في الإِمهال لن يقدم.
الثاني: في العذاب لن يؤخر. اهـ.

.قال ابن عطية:

قال بنو إسرائيل حين وعظهم هارون وندبهم إلى الحق {لن نبرح} عابدين لهذا الإله، {عاكفين} عليه أي لازمين له والعكوف الانحناء على الشيء من شدة ملازمته ومنه قول الراجز: الرجز.
عكف النبيط يلعبون الفنزجا

{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)}.
في سرد القصص اقتضاب يدل عليه ما ذكره تقديره فرجع موسى فوجد الامر كما ذكره الله تعالى له فجعل يؤنب هارون بهذه المقالة، وقرأ الجمهور: {تتبعن} بحذف الياء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وبإثباتها في الوصل ويقف ابن كثير بالياء وأبو عمرو بغير الياء. ويحتمل قوله: {ألا تتبعن} أي بني إسرائيل نحو جبل الطور فيجيء اعتذار هارون أي لو فعلت ذلك مشت معي طائفة وأقامت طائفة على عبادة العجل فيتفرق الجمع فخفت لومك على التفرق، ويحتمل قوله: {ألا تتبعن} أي لا تسير بسيري وعلى طريقتي في الإصلاح والتسديد ويجيء اعتذار هارون بمعنى أن الأمر كان متفاقمًا فلو تقويت عليه وقع القتال واختلاف الكلمة فكان تفريقًا بين بني إسرائيل وإنما لاينت جهدي. وقوله تعالى: {ألا تتبعن} بمعنى ما منعك أن تتبعني، واختلف الناس في وجه دخول لا فقالت فرقة هي زائدة، وذهب حذاق النحاة إلى أنها مؤكدة وأن في الكلام فعلًا مقدرًا كأنه قال ما منعك ذلك أو حضك أو نحو هذا على أن لا تتبعن وما قبل وما بعد يدل على هذا ويقتضيه. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم {يبنؤم} يحتمل أن يريد يا بن أما فحذف الألف تخفيفًا ويحتمل أن يجعل الاسمين اسمًا واحدًا وبناه كخمسة عشر، وقرأ ابن كثير عن عاصم وحمزة والكسائي: {يا بن أمِ} بالكسر على حذف الياء تخفيفًا وهو شاذ لأنها ليست كالياء في قولك يا غلامي وإنما هي كالياء في قولك يا غلام غلامي وهذه ياء لا تحذف، ويحتمل أن يجعل الاسمين اسمًا واحدًا ثم أضاف إلى نفسه فحذف الياء كما تحذف من الأسماء المفردة إذا أضيفت نحو يا غلام، وقالت فرقة لم يكن هارون أخا موسى إلا من أمه ع وهذا ضعيف، وقالت فرقة كان شقيقه وإنما دعاه بالأم لأن التداعي بالأم أشفق وأشد استرحامًا، وأخذ موسى عليه السلام بلحية هارون غضبًا وكان حديد الخلق عليه السلام.
{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)}.
المعنى قال موسى مخاطبًا للسامري {فما خطبك يا سامري}، وقوله: {ما خطبك} كما تقول ما شأنك وما أمرك، لكن لفظة الخطب تقتضي انتهازًا لأن الخطب مستعمل في المكارة فكأنه قال ما نحسك وما شؤمك وما هذا الخطب الذي جاء من قبلك، و{السامري} قيل هو منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل، وقيل هو منسوب إلى قرية يقال لها سامرة ع وهي معروفة اليوم ببلاد مصر، وقيل اسمه موسى بن ظفر. وقرأت فرقة {بصُرت} بضم الصاد على معنى صارت بصيرتي بصورة ما فهو كطرفت وشرفت، وقرأت فرقة {بصِرت} بكسر الصاد، فيحتمل أن يراد من البصيرة ويحتمل أن يراد من البصر وذلك أن في أمر السامري ما زاده على الناس بالبصر وهو وجه جبريل عليه السلام وفرسه وبالبصيرة وهو ما علمه من أن القبضة اذا نبذها مع الحلي جاءه من ذلك ما يريد، وقرأ الجمهور: {يبصروا} بالياء يريد بني إسرائيل، وقرأ حمزة والكسائي: {تبصروا} بالتاء من فوق يريد موسى مع بني إسرائيل، وقرأ الجمهور: {فقبضت قبضة} بالضاد منقوطة بمعنى أخذت بكفي مع الأصابع، وقرأ ابن مسعود وابن الزبير وأبي بن كعب وغيرهم، {فقبصت قبصة} بالصاد غير منقوطة بمعنى أخذت بأصابعي فقط، وقرأ الحسن بخلاف عنه {قُبضة} بضم القاف. و{الرسول} جبريل عليه السلام، والأثر هو تراب تحت حافر فرسه، وسبب معرفة السامري بجبريل وميزه له فيما روي أن السامري ولدته أمه عام الذبح فطرحته في مغارة فكان جبريل عليه السلام يغذوه ويحميه حتى كبر وشب فميزه بذلك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف. وقوله: {فنبذتها} أي على الحلي فكان منها ما تراه وهذا محذوف من اللفظ تقتضيه الحال والمخاطبة. ثم قال: {وكذلك سولت لي نفسي} أي وكما حدث ووقع قويت لي نفسي وجعلته لي سولًا وإربًا حتى فعلته، وكان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلا في حد أو وحي فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحاه عن الناس وأمر بني إسرائيل باجتنابه واجتناب قبيلته وأن لا يواكلوا ولا يناكحوا ونحو هذا، وعلمه مع ذلك وجعل له أن يقول مدة حياته {لا مساس} أي لا مماسة ولا إذاية. وقرأ الجمهور: {لا مِسَاسَ} بكسر الميم وفتح السين على النصب بالتبرئة وهو اسم يتصرف ومنه قول النابغة: المتقارب:
فأصبح من ذاك كالسامري ** إذ قال موسى له لا مساسا

ومنه قول رؤبة: الرجز:
حتى يقول الأزد لا مساسا

واستعماله على هذا كثير. وقرأ أبو حيوة: {لا مَساسِ} بفتح الميم وكسر السين وهو معدول عن المصدر كفجار ونحوه، وشبهه أبو عبيدة وغيره بنزال ودراك ونحوه والشبه صحيح من حيث هي معدولات وفارقة في أن هذه عدلت عن الأمر، ومساس وفجارعدلت عن المصدر ومن هذا قول الشاعر:
تميم كرهط السامري

وقوله: الطويل:
ألا لا يريد السامري مساس

وقرأ الجمهور: {تخلَفه} بفتح اللام على معنى لن يقع فيه خلف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {لن تخلِفه} بكسر اللام على معنى لن تستطيع الروغان عنه والحيدة فتزول عن موعد العذاب، وقرأ الحسن بن أبي الحسن بخلاف {لن نخلفه} بالنون، قال أبو الفتح المعنى لن نصادفه مخلفًا ع وكلها بمعنى الوعيد والتهديد. ثم وبخه عليه السلام بقوله: {وانظر إلى إلهك الذي} أي انظر صنيعك وتغيرنا له وردنا الأمر فيه إلى الواجب. وقرأت فرقة {ظَلت} بفتح الظاء على حذف اللام الواحدة، وقرأت فرقة {ظِلت} بكسر الظاء على نقل حركة اللام إلى الظاء ثم حذفها بعد ذلك نحو قول الشاعر: أبو زبيد الطائي الوافر:
خَيلا أن العِتاقَ من المطايا ** أَحَسْنَ به فهن إليه شُوسُ

أراد احْسَسْنَ فنقلت حركة السين إلى الحاء ثم حذفت تخفيفًا، وفي بعض الروايات حسين، وقرأت فرقة {ظللت}، وظل معناه أقام يفعل الشيء نهارًا، ولكنها قد تستعمل في الدائب ليلًا ونهارًا بمثابة طفق. و{عاكفًا} معناه ملازمًا حدبًا. وقرأت فرقة {لنحرِقنه} بتخفيف الراء بمعنى النار، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس {لنحرُقنَّه} بضم الراء وفتح النون بمعنى لنبردنه بالمبرد، وقرأ نافع وغيره {لنُحرِّقنه} بضم النون وكسر الراء وشدها وهذا تضعيف مبالغة لا تعدية وهي قراءة تحتمل الحرق بالنار وتحتمل بالمبرد، وفي مصحف أبي وعبدالله بن مسعود {لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه}، وهذه القراءة مع رواية من روى أن العجل صار لحمًا ودمًا، وعلى هذه الرواية يتركب أن يكون هناك حرق بنار وإلا فإذا كان جمادًا من ذهب فإنما هو حرق بمبرد اللهم إلا أن تكون إذابة ويكون النسف مستعارًا لتفريقه في اليم مذابًا. وقرات فرقة {لننسِفنه} بكسر السين، وقرأت فرقة {لننسُفنه} بضم السين. والنسف تفريق الريح الغبار وكل ما هو مثله كتفريق الغربال ونحوه فهو نسف.. و{اليم} غمر الماء من بحر وغيره وكل ما غمر الإنسان من الماء فهو يم، و{نسفًا} تأكيد بالمصدر. واللام في قوله: {لنحرقنه} لام القسم، وفي هذه الآية من القصص أن موسى عليه السلام برد العجل حتى رجع كالغبار ثم ذراه في البحر ثم أمر بني إسرائيل أن يشرب جميعهم من الماء فكلما شرب من كان في قلبه حب العجل خرج على شاربه من الذهب فضيحة له، وقال مكي رحمه الله وأسند أن موسى عليه السلام كان مع السبعين في المناجاة وحينئذ وقع أمر العجل وأن الله تعالى أعلم موسى بذلك فكلمه موسى عنهم وجاء بهم حتى سمع لفظ بني إسرائيل حول العجل فحينذ أعلمهم موسى ع وهذه رواية، الجمهور على خلافها وإنما تعجل موسى عليه السلام وحده فوقع أمر العجل ثم جاءه موسى وصنع ما صنع بالعجل ثم خرج بعد ذلك بالسبعين على معنى الشفاعة في ذنب بني إسرائيل وأن يطلعهم أيضًا على أمر المناجاة فكان لموسى عليه السلام نهضتان والله أعلم. اهـ.